تحليلات

الثورة من المسيرة الأولى إلى المبادرة.. الجزء الثاني – ماجد المذحجي

مكوّنات ثوريّة أفرزتها الساحات بعد تعثر الحسم

 

تشكّلت الكثير من المكوّنات والائتلافات الثّوريّة في ساحات الحرّيّة والتّغيير في المحافظات المُختَلِفة. لكن أهمّها؛ تلك التي تشكّلت في ساحة التّغيير في صنعاء، لكون دائرة فعلها الذي تنشط فيه، هي العاصمة؛ محلُّ وجود مؤسسات الدّولة، ومكان ممارسة السّلطة بشكل مركزي؛ وهي المكان الذي تتركّز فيه رمزيّة نفوذ صالح وبقائه، ولكونها موقع إنجاز "الحسم الثّوريّ".

وتعتبر المكوّنات الثّوريّة في ساحة الحرّيّة في تَعِز مهمّة لاعتبارات متعدّدة، منها: اعتبار تَعِز الخزّان المعنويّ للثّورة، ورافعتها الحماسيّة؛ ولكون مستوى فعاليّة الاحتجاجات فيها، هو المحرّك الذي يمنح زَخْمًا واسعًا لكلّ العمليّة الثّوريّة على المستوى الوطنيّ.

ومن أهمّ المكوّنات الثّوريّة في ساحة التّغيير في صنعاء، اللّجنة التّنظيميّة التي أُنشئت بقرار سياسيّ من أحزاب اللّقاء المُشتَرك في الشهر الثاني لبدء الثّورة، لتتحمل مسؤوليّة إدارة القرار والمستوى التنظيميّ المباشر في ساحة التّغيير، وضبط إيقاع العمليّة الاحتجاجية. وعلى الرّغم من تمثيليّة اللّجنة لمُختَلِف مكوّنات اللّقاء المُشتَرك؛ إضافةً إلى ممثّلٍ عن حزب التّجمّع الوَحدويّ اليمنيّ اليساريّ، ومُمثّلٍ عن جماعة الحُوثِيّ، ومُمثّلين مستقلّين من السّاحة؛ كانوا من المتصدّرين الأوائل في الثّورة.. إلّا أنّ اللّجنة تُتّهم بالخضوع لحزب التّجمّع اليمنيّ للإصلاح؛ أكبر أحزاب اللّقاء المُشتَرك، والذي يتحمّل العبء الأكبر في ضخّ الموارد المادّيّة للسّاحة، ويشكّل أفرادُه القوام الأساسيّ للّجان الأمنيّة المُكلّفة بحراسة السّاحة، والمهامّ الأخرى من تغذية وغيرها([1]).

إلى جوار اللّجنة التّنظيميّة؛ تشكّل عدد من المكوّنات الأخرى، مثل: التّحالف المدنيّ للثّورة الشّبابيّة الذي يعتبر من أبرز المكوّنات المُستَقِلَّة، ويتصدّره النّائب البرلمانيّ المستقل أحمد سيف حاشد، أحد أوائل من تصدّروا الحركة الاحتجاجيّة، وعدد من الشّباب الذين كانوا في صدارة المظاهرات الاحتجاجيّة. لقد تأسّس التّحالف الذي يتّسع تمثيله ليتعدى ساحة التّغيير في صنعاء، ليشمل مكوّنات وائتلافات ثوريّة في كلٍّ من تَعِز وعَدَن، في 23 مارس/ آذار 2011، وهو من المكوّنات النّشطة على المستوى الوطنيّ، بحيث بلور موقفًا مناهضًا للمبادرة الخليجيّة ومسار التّسوية السّياسيّة الذي أنتجته([2]).

يشكّل المجلس التّنسيقيّ لشباب ثورة التّغيير (تنوُّع) أحد المكوّنات الثّوريّة المُستَقِلَّة المُهمّة والكبيرة كذلك؛ وتميّز كإطار ثوريٍّ جامعٍ لعدد كبير من الائتلافات في صنعاء وتَعِز وغيرها من السّاحات منذ البداية، حيث تأسّس في تاريخ 11 مارس/ آذار 2011، وكان من أوائل المكوّنات الثّوريّة التي عملت على المساهمة في بلورة أهداف الثّورة وإصدار وثيقة بذلك؛ هي نتيجة لحوارات مكثّفة بين عدد من الائتلافات. واستطاع المجلس التّنسيقيُّ كذلك؛ الترويج للثّورة عبر الشّبكات الاجتماعيّة، حيث يُعتبر موقع "عين اليمن الإخباريّة" على "فيسبوك"؛ التّابع له، من أهمّ مصادر الأخبار عن الثّورة. كما استخدم المجلس –بكفاءة- الوسائط الأخرى كافّة، مثل: يوتيوب، وتويتر؛ ولعب دورًا نشطًا في حشد الاحتجاجات الأساسيّة للسّاحة. والمجلس التّنسيقيّ؛ يعدّ من المكوّنات التي بلورت موقفًا مناهضًا للمبادرة الخليجيّة([3]).

تعتبر اللّجنة التحضيريّة لمجلس شباب الثّورة([4]) من المكوّنات الثّوريّة ذات الحضور الكارزمي في ساحة التّغيير في صنعاء، وتمتلك حضورًا في السّاحات الأخرى مثل تَعِز وإب، حيث تتصدّره النّاشطة توكّل كرمان؛ الحائزة على جائزة نوبل للسّلام عام 2011. ولعبت اللّجنة؛ التي تماهت أنشطتها في الأدوار التي قامت بها توكّل، بالعمل على الدّفع بالمسار التّصعيديّ للاحتجاج في صنعاء، وتحريك الكثير من المسيرات. علاوةً على كونها المكوّن الثّوريّ الذي بادر إلى تأسيس أوّل مجلس انتقالي من عضويّة عدد من الشخصيّات الوطنيّة([5])، من دون التّوافق على ذلك مع المكوّنات الأخرى أو أحزاب اللّقاء المُشتَرك. وعلى الرّغم من فشل هذا المجلس، إلّا أنّها خطوةٌ خلقت زَخْمًا وجدلًا سياسيًّا وإعلاميًّا واسعًا، ولعبت دورًا مُعجِّلًا في تأسيس المجلس الوطنيّ لقُوى الثّورة من اللّقاء المُشتَرك.

وتشكل المنسقيّة العليا للثّورة اليمنيّة (شباب)، أحد المكوّنات الكبيرة والمهمّة التي تأسست ضمن محاولة لخلق تمثيل واسع من ائتلافات الشّباب. وتحسب المنسقيّة بشكل مباشر على التّجمّع اليمنيّ للإصلاح. وهي من المكوّنات النّشطة التي تتوفّر على إمكانيّات كبيرة، وتمتلك ثِقلًا واضحًا في السّاحات؛ وقد أثارت جدلًا في العديد من المواقف، حيث كانت من المكوّنات الثّوريّة القليلة التي التقت بنائب الرّئيس عبد ربّه منصور هادي، وخرج قياديُّوها بتصريحات مثيرة للجدل حول الواقعة؛ وكان موقفها من المبادرة الخليجيّة متّسقًا مع المواقف الشّبابيّة الأخرى المعارضة لها على المستوى العلني، ويمتدّ حضور المنسقيّة على كافة السّاحات في المحافظات([6]).

ويشكّل ائتلاف شباب الصّمود المحسوب على جماعة الحُوثِيّ، واحدًا من أهمّ وأنشط المكوّنات الثّوريّة في السّاحة، ويستمد امتيازه من كونه استطاع بناء علاقات وتحالفات غير متوقعة مع التمثيلات المدنيّة ذات النّبرة الليبراليّة واليساريّة في السّاحة، وحتى مع المجموعات النّسوية الحديثة والمتحرّرة، بشكل يبدو متناقضًا نظريًّا مع الموقع الدّينيّ المُحافظ والمُعلن القادمون منه؛ حتى وإن بدا ذلك في مستوىً ما، سلوكًا سياسيًّا "انتهازيًّا" في مواجهة الجماعات الدّينيّة الأخرى في السّاحة، وخصوصًا الإصلاح؛ الأقوى بين الجميع([7]).

إضافةً إلى ذلك؛ نشأت العديد من المجموعات ذات الطّابع التّوحيدي العامّ، التي تستمدّ حضورها من كونها إطارًا تنسيقيًّا لائتلافاتٍ كبيرةٍ أكثرَ من كونها مُكوِّنًا ثوريًّا مُتجانسًا ومُتمايزًا. كما يحضُر ضمن هذا الوصف، المجلسُ المدنيّ الدّيمقراطيّ (مدد)، الذي تأسّس في شهر مايو 2011، كإطار جامع للائتلافات المُستَقِلَّة ذات الطّابع الّليبراليّ، في اتّجاه خلق كتلة جديدة في السّاحة؛ إلّا أنّه لم ينجح كثيرًا في تكريس هذه الكتلة الجديدة في مقابل المجموعات السّياسيّة الأخرى ذات الانتماء الحزبي([8]). وهنالك الملتقى العامّ للتّنظيمات الثّوريّة، الذي تأسّس في شهر سبتمبر 2011، ضمن توجُّه تنسيقيٍّ موحّد للمجموعات الثّوريّة المحسوبة بشكل أساسيٍّ على اليسار والليبراليّين؛ وقد انضمت إليه الجماعة الحُوثِيّة عبر ائتلاف شباب الصّمود. وكان الملتقى يستهدف إنشاءَ تكتُّلٍ عريضٍ يقاوم المبادرة الخليجيّة ومسارها السّياسيّ؛ وبدا أكثرَ جِدِّيَّةً من غيره، في محاولة إقامة توازنٍ سياسيٍّ مع الائتلافات الحزبيّة، وتحديدًا؛ في مواجهة السّيطرة السّياسيّة والتّنظيميّة للمشترك على السّاحات. ونشط هذا الملتقى خارج ساحة التّغيير في صنعاء، ليتعدّاها إلى السّاحات الأخرى على المستوى الوطني، وخصوصًا تَعِز وعَدَن والحُديدة وإب وذِمار وصَعدة([9]).

وفي تعز برزت بشكل كبير حركة شباب نحو التغيير التي تقودها الكاتبة بشرى المقطري، وهي عضو في مركزية الحزب الاشتراكي اليمني، والتي تضم إضافة إليها كتابا وصحفيين ونشطاء شباباً مستقلين محسوبين على خط اليسار، ووفق منسقة الحركة فإن أول محضر يوثق تأسيسها يشير إلى تاريخ 25 يناير 2011، عقب عدد من الاجتماعات التي أتت استجابة لمناخ الربيع العربي الذي كانت تداعياته تعصف بمصر بعد نجاح الثورة في تونس، ليكون أول إشهار علني للحركة في 3 فبراير 2011، حيث قام المنضوون في إطارها بتنظيم مظاهرة انطلقت من ساحة صافر، التي عرفت لاحقا بساحة الحرية، متجهة إلى مقر المحافظة، حيث أعلنت بيانها الشهير حينها "الشعب يريد إسقاط النظام"، وتم الاعتداء عليها هناك وحدوث أول واقعة اعتقال لأحد منتسبيها وهو د. محمد مخارش([10]).

وفي عدن تأسست حركة شباب 16 فبراير مع سقوط أول شهيد في عدن محمد العلواني، في مديرية المنصورة، وحمل اسمها تاريخ استشهاده، ونشطت الحركة التي ضمت شباباً مستقلين في ساحة المنصورة، وتصادمت لاحقا من القوى الشبابية المحسوبة على حزب الإصلاح في ساحة كريتر، حيث كانت تريد النشاط هناك، وتوحيد قوام الحركة الاحتجاجية الشابة في عدن تحت اسمها باعتباره يحمل دلالة رمزية، واشتهرت الحركة برسم شعار الشعب يريد إسقاط النظام تحت توقيعها على الجدران في شوارع مدينة عدن، وما لبثت الحركة أن تخلت عن مطلب إسقاط النظام لتنضم لقوى الحراك الجنوبي بعد توقيع المبادرة الخليجية(11).

كما برزت في عدن أيضا حركة اتحاد منتديات شباب عدن للتغيير، والتي تأسست في شهر أبريل 2011أ وأشهرت من خلال اجتماع تاسيسي تم الانتخاب فيه وتوزيع بيان على الساحات ووسائل الإعلام، ويرأس الحركة د. عادل باعشن، والحركة انطلقت بشكل أساسي من ساحة "النور" في مديرية الشيخ عثمان، وفي ساحة كريتر، وكانت مقربة من حزب الإصلاح(12).

وشكلت حركة شباب عدن واحدة من أبرز الحركة المستقلة في المدينة، حيث كانت تضم عدداً من المثقفين والنشطاء والفنانين الشباب أبرزهم المخرج المسرحي الشاب والمعروف عمرو جمال. وتأسست الحركة في شهر أبريل عام 2011، حيث أعلنوا عن أنفسهم في اجتماع تأسيسي عقد في فندق التاج في مديرية التواهي في عدن، وتميزت الحركة بتنظيم أنشطة فنية وتوعوية في الساحات، حيث كانت تقوم بعرض المسرحيات والعروض العامة، وتصادمت الحركة المعروفة بمزاجها الاستقلالية مع الفعاليات المحسوبة على الحراك الجنوبي، والأخرى المقرب من الإصلاح الإسلامي، والتزمت باستمرار خيار إسقاط النظام، لكنها أيضاً تبنت خيار الفيدرالية باعتباره خياراً ملائما لحل القضية الجنوبية(13).



[1] صفحة اللّجنة التّنظيميّة للثّورة الشّبابية الشّعبيّة بصنعاء على فيسبوك:

https://www.facebook.com/pages/%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%AC%D9%86%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%86%D8%B8%D9%8A%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D9%84%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A8%D8%A7%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B9%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%A8%D8%B5%D9%86%D8%B9%D8%A7%D8%A1/109493279157096


[2] صفحة التحالف المدني للثّورة الشّبابية على فيسبوك: https://www.facebook.com/ccry.ye

[3] صفحة المجلس التنسيقي لشباب ثورة التّغيير على فيسبوك، https://www.facebook.com/CCYRC

[4] صفحة مجلس شباب الثّورة – اللّجنة التحضيرية على فيسبوك، https://www.facebook.com/YPRC.Preparatory.Committee

[5] المجلس الانتقالي اليمنيّ، ويكبيديا:

http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D9

%85%D8%AC%D9%84%D8%B3

_%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D8%

AA%D9%82%D8%A7%D9%84%D9%8A_%D8%A7

%D9%84%D9%8A%D9%85%D9%86%D9%8A

[6] صفحة المنسقيّة العليا للثّورة اليمنيّة (شباب) على فيسبوك:

 

https://www.facebook.com/pages/%D8%A7%D9

%84%D9%85%D9%86%D8%B3%D9%82%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D9%8A%D8%A7-%D9%84%D9%84%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%85%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%B4%D8%A8%D8%A7%D8%A8/200017286707621


[7]
 صفحة شباب الصمود على فيسبوك، https://www.facebook.com/groups/alSmod

[8] صفحة المجلس المدني الديمقراطي (مدد) على فيسبوك:

https://www.facebook.com/pages/%D8%A7%D9%84%D9%

85%D8%AC%D9%84%D8%B3-%D8%A7%D9%84

%D9%85%D8%AF%D9%86%D9%8A-%D8%A7%D9

%84%D8%AF%D9%8A%D9%85%D9

%82%D8%B1%D8%A7%D8%B7%D9%8A%D9%85%D8

%AF%D8%AF/154384967960698

[9] صفحة الملتقى العام للتنظيمات الثّوريّة على فيسبوك، https://www.facebook.com/GFRGYemen

[10] اتصال هاتفي مع منسقة حركة شباب نحو التغيير في تعز بشرى المقطري، 14/4/2012.

 

المصدر: صحيفة الأولى

 

رابط الحلقة الأولى تجدونها على هذا الرابط

http://mcl.kxq.mybluehost.menews23328.html

زر الذهاب إلى الأعلى